Category Archives: عربي

أثر الصوم في نفس المؤمن

من كتاب سكينة الإيمان  ط2 تأليف الدكتور كمال الشريف “1. لَعَلَّكُم تتَّقُون“    قال تعالى : ﴿يَا أيَهُّا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلكِمْ لَعَلَّكُمْ تتَّقُونَ ﴾ ]البقرة: 183[.. إذاً التقوى هي الثمرة المرجوة من الصيـام. ولكن كيف يؤدي الصيام إلى التقوى؟ إن التقوى اتقاء لغضب الله، والسبيل إلى اتقاء غضبه هي اجتناب ما حرم، والامتناع عن الوقوع فيما نهى عنه، والتقوى تتطلب قدراً كبيراً من التحكمُّ بالنفس ومقاومة هواها:  والإنسان لا يولد متحكماً بنفسه ومسيطراً على أهوائه وعلماء النفس المعاصرون يرون أن التحكم بالنفسSelf Control  يتركب من مكوّنتين الأولى هي مقاومة الإغراء  Resistance to Temptation،  والثانية هي تأجيل الإشباع  Delay of Gratification،  حيث تعني مقاومة الإغراء أن يمتنع الإنسان عن فعل ما حُرِّم عليه رغم قدرته على ذلك وتوفر الفرصة أمامه للوقوع فيه، ويعني تأجيل الإشباع أن يحرم الإنسان نفسه من رغبة ومتعة عاجلة كي يحصل على متعة آجلة أعظم منها.. وبالتمرس على مقاومة الإغراء وتأجيل الإشباع تنمو قدرة الإنسان على التحكم بنفسه ومقاومة هواه.       والذي يتأمل صيامنا في رمضان يجد فيه دورة سنوية مكثفة على مقاومة الإغراء وتأجيل الإشباع وبالتالي على التحكم بـالنفس الذي يشكل أساساً هاماً للتقوى . 8. “وبالأسْحارِ هُم يَسْتَغْفِرُون “        في بداية الدعوة الإسلامية كان قيام الليل فريضة على النبي ﷺ وأصحابه،  وبعد أ ن حقق القيا م والقرآن الذ ي يتلى فيه الغرض الذ ي فر ض من أجله،  وقام بغسل قلو ب الكوكبة الأولى  من  الصحابة  من  أدرا ن  الجاهلية  لتكون  النـواة  التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي فيما بعد،  بعد هذ ا خفف الله عن  المؤمنين  وصار  قيام  الليل  سنة،   ورمضا ن  موسم  من مواسم هذه السنة الرائعة.. قا ل ﷺ:  “مَن قامَ رمضانَ إيماناً واحتِساباً؛ غُفِرَ له ما تقَدَّمَ مِن ذَنبِه ” )متفق عليه(.         هل يكون قيام الليل على حساب صحة الإنسان العقليـة والجسدية ؟    والجواب المتوقع هو: لا بالطبع، إذ لم يشرع الله لنا إلاّ الطيبات وما فيه صلاحنا ولم يحرم علينا إلاّ الخبائث وما فيها لضرر لنا.. ولكن أين تكمن المنفعة العاجلة في قيام الليل ؟          لقد كشفت دراسات الأطباء النفسيين في السنوات الأخيرة أن حرمان المريض المصاب بالاكتئاب النفسي من النوم ليلة كاملة وعدم السماح له أن ينام في النهار الذي يليها حتى يأتي الليل من جديد، هذا الحرمان من النوم له فعل عجيب في تخفيف الاكتئاب النفسي عند الإنسان وفي تحسين مزاجه حتى لو كان من الذين لم تنفع فيهم الأدوية المضادة للاكتئاب.          ثم تلا ذلك دراسات أخرى بينت أنه لا داعي لحرمان المريض من النوم ليلة كاملة كي يتحسن مزاجه، إنما يكفي حرمانه من النوم النصف الثاني من الليل ليحصـل على القدر نفسه من التحسن، والنصف الثاني من الليل هو الذي يكون فيه السحر الذي أثنى الله على من ينفقه في ا لاستغفار والقيام..          فسبحان الذي جعل لنا في قيام الليل والتهجد في الأسحار جائزة فورية قبل الثواب الأخروي،  وهي اعتدال المزاج وتحسنه لدى القائمين والمتهجدين، وعافية نفسية تجعلهم أكثر سعادة في الدنيـا قبل الآخـرة . 9. الصَّومُ التِزام         والقدرة على الالتزام والمحافظة على الالتزام بالصوم من علامات نضج الشخصية لدى الإنسان،  كما إن الالتزام المتمثل بنية الصيام يجعل الامتناع عن الطعام والشراب والشهوة ابتغاء مرضاة الله أهون على النفس مما لو كان البقاء دون أكل وشرب ناتجاً عن مانع من خارج النفس، كأن يمنعك شخص من الوصول إلى الطعام والشراب مثلاً، إذ في هذه الحالة يكون الجوع والعطش أشد،  وهذا ما بينته الاختبارات النفسية حيث وجدت أن “الالتزام يغير الدافع،”وهي عبارة من علم النفس تعبر عن نتيجة لدراسات عديدة،في إحداها حضر الأشخاص الذين ستتم عليهم التجربة دون أن يأكلوا أو يشربوا لعدة ساعات قبل مجيئهم وذلك بناء على ما طلبه الباحثون منهم، ثم بعد وصولهم طلب الباحثون من بعضهم أن يبقى دون طعام أو شراب فترة أخرى –دون أي مقابل مالي أو غير مال ي – وقبل هؤلاء أن يلتزموا بذلك،فكان صومهم عن الطعام والشراب لساعات أخرى التزاماً منهم وقراراً اتخذوه بحرية وإن كان استجابة لطلب من الباحثين،  لكن كان لهم الحرية في أن يرفضوا ولا يلزموا أنفسهم بذلك..  أما بـاقي الأشخاص المجرب عليهم فلم يطلب منهم الالتزام بالبقاء دون طعام وشراب إنما تركهم الباحثون دون طعام وشراب وجعلوا الأمر يبدو لهم وكأنه غير مقصود.  وفي نهاية التجربة أجريت على الجميع اختبارات نفسية لمعرفة شدة الجوع والعطش لديهم، فوجد أن الذين التزموا بالامتناع عن الطعام والشارب التزاماً كـانوا أقل جوعاً وأقل عطشاً من الذين تمت مماطلتهم بحيث صاموا الساعات نفسها لكن دون التزام منهم بذلك،  كما تمت معايرة “الحموض الدسمة الحرة” في دمائهم جميعاً، وهي مواد تزداد في الدم كلما اشتد الجوع عند الإنسان، فو جد أنها كانت أقل ازدياداً عند الذين التزموا بالصيام التزاماً.. وهكذا كان للالتزام بالصوم أثـر حتى على رد فعل أجسامهم الفيزيولوجي نتيجة بقائهم دون طعام أو شراب الساعات الطويلة.  إن الصوم صبر، والصبر في جوهره التزام ورضا بالحال التي يضعنا الله فيها، وبالصبر تهون المعاناة وتقل، لأن الرضا حتى بالمصائب يشبه الالتزام بها،  كالذي منع نفسه من الطعام والشراب لأنه يريد الصيام لله تعالى، والذي ابتلاه الله بالفقر والمرض أو بفقد عزيز فصبر، فإنه امتنع عما حرمه الله منه امتناعاً عن رضاً وتسليم، وهو امتناع يشبه امتناع الصائم وإن كان الفرق بينهما في أن رفض المصاب وسخطه لا يغير من الواقع شيئاً بينما للصائم الحرية في أن يتم صومه احتساباً أو أن يقع في معصية الله فيفطر دون عذر، والامتناع الراضي يكون أقل إيلاماً للنفس مما لو تلقى المصيبة بتذمـر وسخط وغضب.     وهكذا يكون في صيامنـا كل عام في رمضان تدريباً لنا على الالتزام وزيادة لنا في النضج النفسي .

اعتداء الضحية|الظاهرة وعلاجها القرآني النبوي

عامر منير غضبان كثير من الظلم بين الناس يقوم به أناس يعتقدون أن لهم الحق فيما يفعلون، لأنهم تعرضوا لظلم سابق، أو لأنهم يخافون من ظلم قد يقع عليهم في المستقبل. هذه الظاهرة ملاحظة على المستوى الفردي، عند بعض الأفراد ضحايا الظلم والاعتداء، لكنها على المستوى الجماعي، عندما تصبح جزءاً من ثقافة مجتمع، تكون ظاهرة ممتدة في تأثيرها، عميقة في جذورها، خطيرة في تداعياتها، وهي إحدى أهم الظواهر المرتبطة بالاقتتال الداخلي والفتن التي تمزق المجتمعات، لذلك لقيت في العقدين الأخيرين اهتماماً كبيرا من الباحثين في علم النفس الاجتماعي، بتأثير تزايد الحروب الأهلية وكثرة الشعوب والدول التي عانت من آثار مجازر ترتكبها تجمعات أو مجتمعات أو أعراق من أبنائها ضد تجمعات أخرى، فقد بحث تأثير هذه الظاهرة في حروب راوندا وكوسوفو، وكذلك بحثت في الصراع بين الفلسطينيين والصهاينة على أرض فلسطين، ومعظم الباحثين الذين بحثوها في الصراع الصهيوني الفلسطيني افترضوا أن هذا الصراع بين فئتين اجتماعيتين لهما الحق في العيش على هذه الأرض، وافترضوا أن صراعهما ينبغي أن ينتهي بتعايش سلمي على هذه الأرض، أي دون اعتبار لفرضية أن إحدى الفئتين محتلة لأرض الفئة الأخرى. وبسبب هذا الإشكال سيكون علينا تفعيل اجتهاداتنا ونقدنا لنتائج الدراسات المتعلقة بهذه الظاهرة، لكن سنبقى نلاحظ تأثير فكرة المجازر التي تعرض لها اليهود – كما في مذابح النازيين – في ثقافتهم التي تبرر لهم ما يرتكبونه من مجازر ضد أعدائهم، وما يقومون به من إفساد في الأرض. وكما يظهر لنا ذلك في مثال اليهود، يظهر في أمثلة أخرى للصراعات الطائفية والعرقية في باقي البلدان، ومنها البلدان العربية، التي يستبيح فيها أبناء بعض الطوائف دماء إخوانهم في الوطن، لغاية تصحيح خطأ تاريخي، أو الانتقام لظلم حدث منذ مئات السنين. وسنحاول في هذا المقال التعرف إلى آثار هذه الظاهرة عندما تكون عاملاً مؤثراً في أي صراع داخل الوطن وبين أبناء المجتمع الواحد، ثم التعرف إلى بعض ما يمكن أن يستفاد منه في تصويرها وعلاجها في القرآن الكريم والهدي النبوي. عندما تسود فكرة “نحن ضحية” بين أبناء فئة أو طائفة داخل المجتمع، فإنها تكون جزءاً أساسياً وفاعلاً داخل ثقافة هذا المجتمع، تمثل الصورة الأبرز التي يرسمها الأفراد عن مجتمعهم وانتمائهم، ويتبعها بناء قيمي تعلو فيه قيمة “الثأر”، ويرتبط بها تصور محدد عن التركيب الاجتماعي القائم، أو الذي يجب أن يقوم، ويتم من خلال عمليات التنشئة الاجتماعية تداول هذه الثقافة لتترسخ بين الأفراد وتتناقلها الأجيال. وفي أوقات احتدام الصراع الداخلي يرتفع في كل فئة اجتماعية صوت السعاة في الفساد، وقد يصل هؤلاء للقيادة في مجتمعاتهم، فيصبح المفسد هو القائد المنقذ الذي يحمي مجتمعه، ويقوم هذا القائد بتغذية الصراع الداخلي وربطه بقيم إحقاق الحق وإقامة العدل، ويقدم خطاباً يؤكد أن الفئة المعادية تستحق السحق والذبح، ويبرر استضعافه لها بأنها استضعفت قومه في الماضي، أو بأنها ستستضعفهم وتذلهم لو رفع عنها السيف للحظة واحدة. وأوضح الأمثلة على ذلك فرعون الذي ﴿علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً يستضعف طائفة منهم﴾ [سورة القصص: 4]. عندما يحتدم الصراع الداخلي ويتحول إلى حرب، تحتاج الفئات الاجتماعية المتنازعة إلى تثبيت صورة اجتماعية محددة عن نفسها، صورة يجتمع عليها أبناؤها، وتجعلهم يقدمون لأجلها التضحيات، ولوحظ أن فكرة “نحن الضحية” موجودة عند كل الفئات المتنازعة في الحروب الداخلية، وخطاب الشكوى من الظلم والتحذير من وقوعه من قبل الفئة المعادية يكون بارزاً بقوة عند الفئتين، وتتنافس الفئتان في الشكوى، ويطلق العلماء على هذه الظاهرة اسم “التظلم التنافسي” (competitive victimhood)، وتتجدد صورة “نحن الضحية” أو “أولئك هم الظالمون” عند كل من الفئتين عند كل مشهد من مشاهد الحرب الداخلية، لذلك كانت هذه الظاهرة إحدى أهم عوامل تفاقم هذه الصراعات. والذي يبدو أن معظم الأفراد في هذه الحالات يتلبسون هذا التصور الجمعي، ويحمل كل منهم هذا التصور ليشارك أعضاء مجموعته في دفاعهم عن أنفسهم وعن مجتمعهم كما يبدو لهم، ويشارك عضو المجموعة في الاعتداء على الآخرين بدون أن يعمل تفكيره في نقد هذا التصور أو بحث حقيقة ارتباطه بالحق والعدل، أو حتى بحث إن كان يحقق مصلحة المجموعة أو يكسبها المستقبل الآمن. والمستغرب دائماً في هذه الصراعات قيام أفراد بالمشاركة في الاعتداءات والمجازر ضد أفراد آخرين كانوا قبل فترة قصيرة مجاورين لهم في السكن، أو زملاء لهم في العمل، أو شركاء لهم في مجالات العيش الأخرى. فهي حالة ذوبان الفرد في جماعته وغياب استقلاليته بشكل كامل. ويحتاج قادة هذه الحروب لإذكاء هذا الشعور حرصاً على جمع الأنصار وتحقيق المكاسب في هذه الحروب. :الظاهرة في الهدي القرآني والنبوي لعل أبرز مثال على ظاهرة اعتداء الضحية نراه في أحد المشاهد من قصة بني إسرائيل، وهو مشهد قصة قارون، فإن قارون كان من بني إسرائيل، وهم الذين مروا بتجربة الاستضعاف عندما كان فرعون وآله يسومونهم سوء العذاب، وعندما تمكن قارون وقوي بماله بغى على قومه بني إسرائيل ﴿إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم﴾ [سورة القصص: 76]، فكرر قارون عملية البغي، ومارسها على قومه أنفسهم ليس على قوم آخرين. ومن المشاهد الملفتة في هذه القصة مشهد قسم من قوم قارون، وصفوا في القرآن بأنهم ﴿الذين يريدون الحياة الدنيا﴾، عندما رأوا قارون يتبختر في زينته تمنوا أن يكونوا مثله، فقالوا: ﴿يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم﴾ [سورة القصص: 79]. إن الملاحظ في هذه المشاهد أن ضحية الظلم قد يتعلم الظلم من ظالمه، وقد يسعى لإقامة ظلم جديد، ولعل أقرب تفسير لهذه العملية هو “تعلق المغلوب بالغالب”، وهي ظاهرة تحدث عنها العالم العربي ابن خلدون في “مقدمته”، واعتبرها بعض من بحث في ظاهرة التظلم التنافسي تفسيراً معقولاً، فالمستضعفون قد يتلقون من ظالميهم طريقة العيش ومنهج الحياة، وقد يتمثلون بعضاً من قيم مجتمع الظالمين، وربما يرسخ في عقولهم أن هذه الطريقة هي سبيل التفوق، وأن المعايير التي تحملها هذه القيم هي معايير التميز، وأن السعي لتثبيتها في واقع الحياة هو منهج إصلاح المجتمع. وهذا التصور بلا شك تصور قاصر، يعبر عن ضعف المجتمع الذي يتبناه، وطريقة تغييره يجب أن تتضمن تنمية فكرية عامة في المجتمع، وإصلاحاً لثقافته، بتوسيع النظرة للواقع، وإنشاء تصور أعمق عن إمكانات النهوضن بزيادة تعريفالمجتمع عن قدراته، وبحثه في إمكانات أبنائه. وفي السيرة النبوية مثال بارز على إعادة بناء المجتمع عن طريق تغيير تصوره عن نفسه، وترسيخ معايير جديدة يتنافس فيها الأفراد، ذلك هو مثال بناء مجتمع أهل المدينة المنورة من قبيلتي الأوس والخزرج، فبعد أن قضى أهل يثرب عقوداً في حرب متواصلة بين هاتين القبيلتين، ربما لم يكن يفسر استمرارها إلا دوافع الثأر، هاجر النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة، فسمى أبناء هاتين القبيلتن “الأنصار”، ومع تغير هذا الاسم تغيرت كل توجهات أبناءالمجتمع وأصبحت مرتبطة بقيمة نصرة […]

متلازمة غزة | ومعادلة إنسانية المقاومة …GAZA Syndrome

مع الدكتور إبراهيم بو زيداني 1- متلازمة ستوكهولم (‏Stockholm syndrome) أثناء وبعد عملية تبادل الأسرى الذي تم بين المقاومة الإسلامية في غزة –حماس- والحكومة الإسرائيلية، ظهرت العديد من التفاعلات الإنسانية بين الأسرى الإسرائيلين من مختلف الفئات العمرية و أفراد المقاومة المرافقين لهم . حيث أظهر الأسرى تفاعل عاطفي-اجتماعي إيجابي جداً. هذه التفاعلات النفس-عاطفية بين “المختطفين” و “الخاطفين”، جعلت الكثير من الناس يبحثون لها عن تفسير. لذلك نجد أن بعض المختصين في علم النفس اعتمدوا على ظاهرة نفسية يصطلح عليها بــ (متلازمة ستوكهولم ‏Stockholm syndrome) أو “رابطة الأَسْر أو الخطف”. تعرف هذه الظاهرة النفسية بأنها تعاطف أو يتعاون الإنسان مع عدوه، أو مَن أساء إليه بشكل من الأشكال، أو إظهار بعض علامات الانسجام والمشاعر الإيجابية والولاء من المُختَطَف تجاه الخاطف أو الآسر. حيث قد تصل هذه المماهاة والتعاطف لدرجة الدفاع عن الخاطف أو الآسر، والتضامن معه. فهو بهذا ترابط عاطفي قوي يتكون بين شخصين أحدهما يضايق ويعتدي ويهدد ويضرب ويخيف الآخر بشكل متقطع ومتناوب.  هذه المشاعر بشكل عام، يعتبرها علماء النفس إدراكات غَيْر منطقية ولا عقلانية. هذا لأنها تعتبر عدم الإساءة من قبل المعتدي إحساناً ورحمة. ويعتبرها بعض المختصين نوع من الارتباط الذي له علاقة بالصدمة.  لكن من خلال التحليل النفس-معرفي لسيكولوجية الأسرى وتصرفاتهم، وردود أفعالهم تجاه أفراد المقاومة الإسلامية في غزة، يجعلنا نلاحظ أن هناك فارقا جوهرياً في أسس ظاهرة “متلازمة ستوكهولم” والمعطيات المركبة لما حدث في غزة بين المأسورين والآسرين. حيث نلحظ غياب عامل العنف الذي كان مفترضا من طرف الآسر. وبهذا نجد أن العلاقة بين المأسورين والآسرين كانت طبيعية، ومؤسسة على بعد قيمي أخلاقي إنساني. إذن فإن أحد أهم أركان هذه الظاهرة مفقود من المعادلة. وبناء عليه هل يمكن اعتبار “متلازمة ستوكهولم” آلية صحيحة في قراءة نفسية وسلوكات الأسرى الإسرائليين لدى المقاومة؟ إذا كانت الإجابة بــ “لا”، فكيف يمكننا في هذه الحالة تفسير ما حصل لهم؟ لذلك نحتاج لقراءة نفسية-معرفية جديدة لهذه الظاهرة وفق آلية جديدة يمكن تسميتها بـــ (متلازمة غزة Gaza syndrome).  2- متلازمة غزة (Gaza syndrome). يمكن تعريف هذه المتلازمة بأنها: “إعادة الشخص ترتيب إدراكاته أو تصحيحها بطريقة إيجابية حول موضوع ما وذلك من خلال المعايشة الواقعية الميدانية له، وهذا بعدما كانت لديه تصورات مسبقة غير واقعية وسلبية حوله”. حيث نجد في حالتنا هذه، أن كل الأسرى كان لديهم مجموعة تصورات مسبقة سلبية “جدا وخطيرة” حول حقيقة المقاومة في غزة والطبيعة المعرفية والسلوكية حول أفرادها. لكن بعد معايشة الأسرى الميدانية للمقاومة وأفرادها، انقلبت التصورات “السلبية جدا” إلى تصورات “إيجابية جدا” مناقضة تماما لما كان عندهم. وبالتالي حصل ما يمكن وصفه بصدمة نفسية إيجابية جعلتهم غير قادرين على إخفاء مظاهر التعاطف والتفاعل الإيجابي مع أفراد المقاومة. حيث انتقال العلاقة بين الأسير والآسر، من مجرد كونها علاقة تعاطف Sympathy  إلى درجة التقمص العاطفي Empathy، أي فهم الأسرى الإسرائيلين لموقف الطرف الآخر –مقاتلي حماس- سواء من الناحية العاطفية أو الفكرية، لدرجة تقمص الأسرى لموقف أفراد المقاومة والغزاويين عموما، ووضع أنفسهم مكانهم.  3- المميزات الفارقة بين (متلازمة ستوكهولم ‏Stockholm syndrome) و(متلازمة غزة Gaza syndrome) لكل متلازمة أعراض وسلوكية وعاطفية ومعرفية تميزها عن غيرها، لذلك سنحاول توضيح أهم الفروق بين المتلازمتين من خلال المقارنة بين الأعراض المتفق عليها لــــ”متلازمة ستوكهولم” وما يقابلها من أعراض لــــ “متلازمة غزة”، نلخصها في الجدول المرفق:  متلازمة ستوكهولم ‏Stockholm syndrome متلازمة غزة Gaza syndrome المشاعر الإيجابية من الأسير تجاه الآسر المعتدي المتسلط المشاعر الإيجابية من الأسير تجاه الآسر غير المعتدي ولا  المتسلط المشاعر السلبية للضحية تجاه العائلة أو الأصدقاء أو من يحاول إنقاذهم أو الوقوف بجانبهم. المشاعر الإيجابية للأسير تجاه العائلة أو الأصدقاء أو من يحاول إنقاذهم أو الوقوف بجانبهم. الدعم والتأييد العاطفي غير الواعي لسلوك وتفكير المعتدي الدعم والتأييد العقلي والعاطفي الواعي لسلوك وتفكير الآسر  المشاعر الإيجابية المتذبذبة للمعتدي تجاه الضحية المشاعر الإيجابية الثابتة والصادقة للآسر تجاه الأسير سلوكياتٌ مساندةٌ للمعتدي من قبل الضحية وأحياناً مساعدة المعتدي سلوكيات مساندة عقلانية وأخلاقية من قبل المأسور وأحياناً مساعدة له. عدم القدرة على المشاركة في أي سلوك يساعد على تحرير الضحية أو فك ارتباطها. القدرة على المشاركة في أي سلوك يساعد المأسور على تحرره مع عدم الرغبة في فك ارتباطه مع الآسر، بسبب قوة التقمص العاطفي الذي يسيطر على المأسور. ما يجب الإشارة إليه في الختام هو أن هذه القراءة المفاهمية النفسية، ما هي إلا محاولة معرفية جديدة تتطلب المزيد من الدراسة والبحث والتدقيق. وهو الأمر الذي نتركه للباحيثن في المجال النفسي للتعمق والتأصيل المعرفي لها.

التفكير هو ثمرة العقل

ويشرح (اكلكس) فيقول “تعلمت بالتجربة الثابتة أنني بالتفكير والإرادة أستطيع أن أتحكم بأفعالي إذا شئت ذلك وليس في وسعي أن أفسر تفسيرا علميا كيف يستطيع التفكير أن يؤدي إلى الفعل ولكن هذا العجز يأتي مصداقا لكون علوم الفيزياء والفسيولوجيا في وضعها الراهن بدائية للغاية، وأعجز من أن تتصدى لهذه المهمة العسيرة، وحين يؤدي التفكير إلى الفعل يجدني مضطرا كعالم متخصص في الأعصاب إلى افتراض أن تفكيري يتغير بطريقة تستعصي على فهمي تماما أنماط النشاط العصبي التي تؤثر في دماغي وهكذا يصبح التفكير يتحكم بشحنات النبضات الناشئة في الخلايا هرمية الشكل للقشرة الحركية في دماغي، كما يتحكم آخر الأمر بتقلصات عضلاتي والأنماط السلوكية الناشئة معها”.هنا يتكلم هذا العالم في الأعصاب عن أمر في غاية الأهمية في علم النفس وهو يدعم توجهنا وزعمنا في النظرية القرآنية أن التفكير هو ثمرة العملية العقلية، وعلى أهمية وجود العقل لا بل على جوهريته المتمثلة بالإرادة وهذا ما حاول علماء النفس الابتعاد عنه وتسميته بتسميات مختلفة لعدم قناعتهم بشيء يسمى العقل أن ضابط الدوافع والسلوك وهو ليس غرائزيا وليس استجابة تعلمية وهو ليس حاجة وهو ليس فهما خاطئا وهو ليس نقصا في الذات وليس شيئا كان ناقصا في الماضي، ولكنه العقل والإرادة التي يتحمل الإنسان المسؤولية الكاملة عن قراره وإرادته وهو مخير غير مسير بأي شائبة ولكن الضعفاء يحاولون البحث عن العذر دائما وعن شيء يغطون به عورتهم.يقول عالم الفيزياء الفلكية (وليم وفمان) ما نصه “من المستحيل عملياً أن نتصور متصل المكان والزمان الملتوي ذو الأبعاد الأربعة فالمكان الرباعي الأبعاد لا يستطيع أن يحس به أو يتخيله حتى علماء الفيزياء والرياضيات ولكن يمكن فهمه، والعقل في مجال العلوم يمكن أن يسمو على قيود الخيال وهو حاسة داخلية، فالعقل البشري إذن ليس متميزا في الخيال فحسب، بل هو قدرة إدراكية تفوقه بكثير، والعقل لا الحواس هو الذي يصنع العلم لأنه وحده يستطيع أن يستكشف ماهية الأشياء وعللها”.وحسب رأي البحث في فقه النفس بما أن العقل والتفكير هو الذي يصنع العلم والمعرفة فلا بد له من إرادة توجهه ونية صادقة نحو تطبيق هدف ما، فلا يكفي وجود العقل من دون إرادة وهذا دليل على أن الإرادة هي جزء لا يتجزأ من العقل وهنا أخطأ من نادوا بإهمال الإرادة واعتبارهم أن الإنسان مجبور أو متحكم به من غرائزه وحاجاته التي تتحول إلى دوافع دون النظر بأمر ودور الإرادة وهي بزعمنا الأساس وإن تكيفت مع الواقع إلا أن الثقل الأكبر في توجيه السلوك في النهاية يذهب للإرادة والتي سماها القرآن الكريم بالعزم والعزيمة وأولو العزم كلها تسميات تحمل في معانيها أداة الحكم والتحكم من خلال الإرادة في مكون العقل الذي من الممكن أن يفعل. وكذلك باقي الكائنات مثل النبات والحيوان تحمل مستوى أقل من الإرادة واعتماد أكثر على العقل الغرائزي فيكون تفاعلها وأثرها محدود محصورا لا يأخذ طابعا فكريا وليس له أبعاد أكثر من الاهتمام بهدف واحد هو صراع البقاء. ومن دواعي السخرية أن (بنفليد) بدأ أبحاثه ليثبت العكس تماما فيقول “طوال حياتي العلمية سعيت جاهداً كغيري من العلماء إلى إثبات أن الدماغ يفسر العقل وهو بدأ مسلحاً بجميع افتراضات النظرة القديمة غير أن الأدلة حملته آخر الأمر على الإقرار بأن العقل البشري والإرادة البشرية حقيقتان غير ماديتان، ويعلن لاحقاً أنه أمر مثير أن يكتشف أن العالم يستطيع بدوره أن يؤمن عن حق بوجود الروح.  فلا بد للنظريات من الرجوع لمعرفة أهمية العقل والجانب الروحي، حيث إن الإنسان حينما يعتمد على فكره وقناعاته وجانبه الروحي وتظهر الإرادة القاهرة في الوقوف أمام نكبات الدهر من فقد حبيب أو عمل أو خسارة مادية أو عاطفية فادحة، فلولا وجود العقل والجانب الروحي لكان حال الناس في أشد حالة انتكاسية قد تصل إلى حد تذهب العقل عند الإنسان فكم شاهدنا حالات تحدي للإرادة من خلال حالات في السجون صمدت في التحقيق والعزل الانفرادي وفي أوضاع صعبة للغاية، وكان سرهم هو الجانب الروحي والأجواء الروحية والعقلية التي صنعوها لأنفسهم ومدى ارتباطهم بخيالهم ورسالتهم السامية وتغلبوا على غرائزهم وتقووا بإيمانهم العميق وبأملهم بالفرج وأملهم ويقينهم بكرم الله عز وجل وبجزائه لهم سواء على الصعيد الدنيوي أو الأخروي، ووقفوا وقفة أذهلت البشر، وضربوا أرقاماً قياسية في التحمل والصبر ورباطة الجأش، وكل هذه القوة لم تستمد من الحافز ولا السلوك المتعلم ولا الغريزة ولا من الطفولة إنما جاءت من الجانب الروحي العظيم ولذة الرسالة والدفاع عن قضية ولذة التضحية من أجل من يمتلك مفاتيح كل شيء. لو كان الإنسان كيانا ماديا وتم التعامل مع الجانب النفسي فيه على أساس أنه أمر متعلم أو غريزي أو جانب مادي وتم تجنب الجانب الروحي فيه وهو الأهم في الإنسان ومربط الفرس فيه لكان من المعقول والمنطق اتخاذ مصادر الدفع أو التحريك أو طاقة الكهرباء مثلاً أو قوة ضغط البخار أو الاحتراق الداخلي كالتنفس، أي بمعنى آخر لو صح ما سبق هل يمكن التحكم بمصدر طاقته أو طاقة تشغيله؟.

نقد للنظريات الغربية للصحة النفسية في مقابل فقه النفس

إن الصحة النفسية ليست مرادفا للاطمئنان أو سلامة العقل وهي ليست غياب الصراعات الانفعالية والوجدانية، ولا تعني أيضا التكيف والتوافق بمعنى المسايرة والتمسك بالتقاليد، ولكن الخلاف الحاد ينشب إذا انتقل الحديث والنقاش من تعريف الصحة النفسية والشخصية السوية إلى ديناميتها والمحددات الفاعلة. فحب الحياة بطريقة شرهة وكأنها هي نهاية المطاف وليس هناك آخرة ولا حساب ولا عقاب ويهيئ لطالب الدنيا كأنها الفرصة الوحيدة والملاذ الوحيد للنجاح والنجاة فتراه يلهث ويلهث نحو بريق الدنيا وزخرفها الزائل المنحط، يستوحش تارة ويستكلب تارة أخرى ويلبس ثوب المبررات أو التبريرات ويحرص على أن يظهر بقضية ووجهة نظر وجيهة مقنعة منطقية ولكن هيهات، فتكشفه رعونته وسيلان لعاب شهوته وعدم التحلي بالقناعة والتركيز على اللذة وتكرارها والحصول عليها، وليس هذا وحسب وإنما سعي النفس الدؤوب نحو التجديد والمزيد من اللذة والإثارة، فالعتبة المسؤولة عن الإثارة واللذة والشهوة ترتفع وتكبر بعد كل تجربة وخبرة تَمر عليها وتطلب المزيد وتقول كما تقول جهنم هل من مزيد؟ فهي لا تشبع ولا تفقه ولا تعقل، وكيف لا والهوى هو من يقودها نحو جنون الشهوات والملذات التي لم يُهيَّأ للإنسان أصلا أن يعيشها أو يستوعبها ويتعامل معها.وكما أن العلم والمعرفة فيه علاج للنفس، من الوصول إلى حيث أهوائها وقائد يسوسها كما يسوس الفارس فرسه حتى يُطوعها، أو قد يكون خادما للنفس في إيصالها إلى ما تهوى حينما يترك رسن فرسه أو زمام الأمور، فبدلا من الحذق في مواجهتها أي النفس وسياستها يكون خادما لها، وهذا النوع من البشر يكون العلم له ضارا والجهل خيرا من علمه لأنه لو كان جاهلا لم يوصل النفس إلى شهواتها بهذا الإتقان والحذق ومن هنا كان العلم لبعض النفوس ضارا والسبب من النفس لا من ذات العلم.وعلماء النفس انقسموا على أنفسهم في موضوع إخضاع العقل للغريزة في طريقة التحليل النفسي وإلغائه في المذهب السلوكي، فهنا كما نلاحظ تناقض بين التحليلية والمدرسة السلوكية وكلا المدرستين بتبنيهم هذين الاتجاهين قد أفضيا إلى تجريد الإنسان من إنسانيته فالأولى تحوله لحيوان ناطق والأخرى تحوله لماكنة ميكانيكية، فالمدرسة السلوكية تنظر إلى السلوك السوي والسلوك المضطرب على أنهما مجرد استجابات تخضع لعلاقات مشروطة تربطها بمثيرات تقع قبلها كما هو الحال عند (بافلوف) في الإشراط الكلاسيكي أو مدعمات أو أحداث تمثل عقاباً تقع بعدها مثل (سكينر) في الإشراط الإجرائي أو نتيجة ملاحظة سلوك يقوم به الآخرون مثل باندورا في التعليم الاجتماعي.فظهرت في الخمسينات من هذا القرن قوة ثالثة أو اتجاه ثالث عرف بعلم النفس الإنساني ومن أبرز مؤسسي هذا الاتجاه (فرانكل وماسلو وروجر) الذين يعترفون بأولوية العقل، فإنها ترى أن السلوك المضطرب ينشأ نتيجة عدم الاتساق بين الخبرة التي يمر بها الفرد وبين ذاته التي بناها من خبرات اعتبرها إيجابية لأنها أكسبته رضاه عن ذاته وأيضا رضا الآخرين ذوي الأهمية في حياته مثل مدرسة كارل روجر.وبعدم حصره في الخواص الكيميائية والفيزيائية للمادة، وبكون الإنسان قوة واعية الأصل فيها التحكم بزمام المبادرة والإدارة وحرية التفكير والانقياد ومقاومة الغرائز، وقاموا برفض التوجهات التي تقول إن الإنسان وسلوكه البشري أساسه كله هو الدوافع والغرائز والضروريات البيولوجية وردود الفعل الآلية، ويؤمنون بالجانب الأخلاقي والجانب الروحي والفكري والجمالي عند الإنسان.ونظريات العلاج الجشطلتي ترى أن المرض والاضطراب النفسي ينشأ نتيجة انشغال الفرد بأشياء لم تتم في الماضي أو أشياء لم تقع بعد، والاتجاه المعرفي العقلاني الذي نؤيده ونرجحه والذي يقول أنه ليست المثيرات هي التي تؤدي إلى سلوك ومن بينه سلوك المرض وإنما الأفكار التي يتبناها الفرد هي التي تؤثر على النتائج مثل (ألبرت أليس) في العلاج العقلاني والانفعالي، و(آرون بيك) في العلاج المعرفي. وترى نظرية أخرى أن اندماج الفرد مع أشخاص لهم هوية نجاح يساعد على النمو السوي بينما اندماجه مع أشخاص لهم هوية الفشل وافتقاده إلى الحب وإلى الشعور بالقيمة الذاتية يؤدي به إلى هوية الفشل المعبرة عن الاضطراب النفسي مثل ويليام (جلاسر) في العلاج بالواقع، وتتبنى نظرية العلاج بالمعنى التي طورها (فرانكل) وجهة نظر أن الإنسان يمرض نفسياً ويضطرب سلوكه لأنه يفتقد إلى معنى لحياته أو ما أطلق عليه الفراغ الوجودي ومازالت نظرية أخرى ترى أن الاضطراب في السلوك إنما يتمثل في اضراب التنشئة ووجود أنماط من التحولات غير الملائمة في علاقات الفرد بغيره نتيجة عبوره مرحلة الطفولة بسرعة أو سرعة الدخول إلى الرشد النفسي أو العكس مثل (ايرك بيرن) وتركز نظريات العلاج الأسري على أن الاضطراب النفسي يرجع إلى خلل في بناء الأسرة وعلاقة الأجيال المتتابعة بعضها ببعض وعدم كفاءة الأسرة كمنظومة دينامية تربطها علاقات مثل (بووين) في نظرية المنظومة الأسرية.فهذه كلها تفسيرات بشرية في كل فكرة من أفكار العلاج أو سبب المرض يتبناه اتجاه معين أو مدرسة نفسية تحمل وجهة نظر مختلفة تعلل فيها السبب والعلة، وهي جميعها فلسفة منطقية معقولة ولكنها قاصرة محدودة تحمل طابع البشر غير الشمولي ومن منطلقات شخصية أو منطلقات بيئية لا يمكن تعميمها فتبقى في إطار النظرية والتطبيق بمعنى عدم قدرتها على أن تفسر السلوك في كل الحالات بل بعض الحالات، ونحن نعلم تفرد الأطباع والنفوس وإن تشابهت مجموعات لا يمكن أن تنطبق على كل المجموعات، وهي اعتبرها أساليب وطرق ولم ترق للنظرية لأنها لا تنطبق على الجميع.

النظريات الغربية والعقل

وحسب بعض اتجاهات علم النفس في قوته الدافعة كآلة ميكانيكية تتخذ شكل غرائز وحاجات وانفعالات هي مصدر السلوك والأعمال التي يقوم بها الإنسان، وأما العقل لأنه شيء غير مرئي وله علاقة بأمر الروح وأيضا لا يمكن قياسه أو مشاهدته فهو بالنسبة لهم لا يملك زمام الأمر لأنه نتاج ثانوي للمادة، إذن ما هي أقوى غريزة أو حاجة أو عاطفة وتكون هي مولد السلوك لدى الإنسان والدافع الحقيقي؟هل هو الحب أو حب الحياة؟ أم الخوف؟ أم النقص؟ أو الغريزة الجنسية؟ أم التعلم الاجتماعي؟ أو المكتسب أم الفهم المعرفي؟ أم تحقيق الذات؟ كما ادعت النظريات.إذن هي كلها أمور جزئية في الدوافع والمحرك وهي قوى مجتمعة ليست محصورة وما أشكل على العلماء هو ماديتهم وإنكار الحق الذي هو يمثل الجانب الروحي في النفس البشرية وهو الجانب الديني في خلق الإنسان وهم يريدون الهروب من هذا الأمر بادعائهم أنه كل ما لا يمكن قياسه ومشاهدته للحواس يفتقد لشروط البحث العلمي. وهذا ما حاولنا لفت النظر إليه في مبحث سابق وهو حقيقة النفس والروح واتحادهما لتكونا كيانا يسمى النفس، وهذه النفس موجودة ومكانها في الصدر الذي يتمركز فيه القلب ويحكم النفس العقل والتفكير من خلال تصارع الفجور والتقوى والتحكم بينهما من خلال العزم.و(لورد هوبز) اعتنق المذهب التجريبي المادي المنهجي وعمل على مقارنة صريحة للإنسان بالآلة، كما يشبه أجزاء المجتمع البشري بأجزاء الآلة، وهو في تفسيره للسلوك البشري يولي الدور الأساسي للعواطف ويعزو تفاوت الذكاء بين الناس إلى ما بينهم من فوارق في العواطف ويقول إن هذا الاختلاف في الفطن يرجع الى اختلاف في العواطف ويعزو تفاوت الذكاء بين الناس الى الاختلاف العاطفي وبناءً على ذلك فالإنسان الذي يخلو من عواطف قوية يفتقر إلى الحافز أو الدافع فقد يكون هذا الإنسان رجلا فاضلاً بحيث لا يسيء إلى غيره ولكنه لا يستطيع أبداً أن يكون ذا خيال واسع أو رأي حصيف فكما أن انعدام الرغبة يعني الموت كذلك يعني وهن العواطف بلادة الحس، والصراع على الحياة يبعث العداوة والحرب، ولا يمكن للإنسان أن يعيش في حضارة ومجتمع بدون الخضوع لقيود السلطة الحاكمة وبناء دولة تضمن الحرية وتحارب نزعة السيطرة واستعباد البشر لبعضهم فطرياً، فالدولة يجب أن تكون ذات سطوة لتريح الإنسان من طبعه، وبعد (هوبز) بثلاثمئة عام يبدأ فرويد دراسته للإنسان مفترضاً أن لا وجود للمادة وهو يتبنى نموذج الإنسان الميكانيكي ويعتبر النهج العلمي الوحيد لدراسة النفس البشرية هو المادية ويصف نفسه بأنه عالم نفسي ويصر دائماً على ضآلة الدور الذي يقوم به العقل في شؤون الإنسان حين تقارنه بالحياة الغريزية. وكل ما سبق هو هروب من الجانب الروحي الذي يستعصي عليهم فهمه أو تفسيره أو أن إنكاره له فوائد لهم، ويريحهم من باب الالتزام أو الاعتراف بوجود خالق ودين يجب أن يكون مرجعية ثقافية لشتى مجالات الحياة، وهذا بطبيعة الحال يلغي دورهم على أساس أنهم مفكرون ومجددون في الفكر الغربي الحديث لأن مهمتهم التجديد والحقيقة أن هذه الدعوة أو الحركة الثقافية مغطاة بغطاء التخلص من الدين والعلمنة وهذا لمصلحة فئة من البشر متحكمة باقتصاد العالم وبمواقع سياسة حساسة، ووجدوا بدائل عملية وعلمية للدين والعادات والتقاليد وأسسوا أركانا جديدة للتفكير ومنطلقات وقيم جديدة وكان هذا هو دورهم في بداية الثورة الصناعية وهو التغيير الاجتماعي وبناء النظرية البنائية ونظرية الأنساق والدور الاجتماعي، وتغيير التفكير أو الطلب بتغير وتجديد الفكر وتهميش الدين والإنسانية بما يتناسب مع تقسيم العمل ورأس المال والنظام العالمي الجديد واستخدام الآلة في الصناعة وتدشين المرأة في الحياة العملية وتغير البناء العائلي بالأسرة من خلال خروج المرأة إلى سوق العمل حيث أن هذا شكل أكبر ضربة لنظام الأسرة وخلق خللا نفسيا وأدى إلى نشر البطالة بين الرجال.وحسب فرويد بما أن الإنسان يحمل في فطرته وطبيعته غرائز ضد المجتمع مثل غشيان المحارم وأكل لحوم البشر وشهوة الجنس مع كل شيء وشهوة القتل أو البحث عن اللذة في كل شيء، ومن دون ممارسة اللّذه فالإنسان لا يمكنه أن يكون سعيداً في المجتمع مع ميوله الفطرية إلا بتحلله من المعايير والتقاليد التي لا يصلح التخلي عنها في معظم الاعتبارات لذلك كل فرد هو عدو محتمل للحضارة وإن كانت الحضارة محط اهتمام الجنس البشري قاطبة، وهنا يلتقي فرويد مع (هوبز) لوجود سلطة ذات سطوة لتحمي المجتمع من نفسه أو نفوس أفراده ولكن هذا من ناحية نفسية يزيد من حدة إحساس الإنسان بالشقاء، كما عبر سابقاً وها هو فرويد يعقد الأمور بدلاً من أن يحلها وهو يعتبر أن هذه حقائق علمية وما أراها إلا اصطدام مع أساس سبب الخلق وخلافة الأرض والابتلاء للإنسان في حياته بالأرض وأنه يعيش في امتحان دنيوي وابتلاء لحياة أخروية عظيمة فيها كل ما يصح ولا يمكن أن يكون فيها باطل أو شقاء، وهنا نرجع لموضوع الدين والتدين ومسائل الاعتقاد ونبين أن رائد علماء النفس وكبيرهم وعبقريهم ومن جاءت نظرياتهم رداً عليه، وكان حقدهم على نظريته لفشلهم أن يكونوا مثله أو بقدرته الفكرية والفلسفية وترابطه المنطقي المتسلسل، ها هو البطل فرويد يقف عاجزا عن تحقيق السعادة لبني البشر لأن غرائز البشر تطلب وتريد ولكنه المجتمع يخاف ويرفض ولا يقبل وهنا تزيد تعاسة الإنسان بحسب نظرته ونظرة هوبز من قبله فالبحث يزعم أن القسم الذي تكلم عنه العلماء في أن البشر لديهم ميول ونوازع للحصول على اللذة في كل ما يعطي لذة وبالتالي سعادة، وهو أمر صحيح وأن الإنسان لديه من الطمع والجشع و اللاإنسانية والتوحش لحماية ممتلكاته جانب كبير، ولكني أرى هنا أن العالمين (هوبز وفرويد) يجيبان لوحدهما عن هذه المسألة المهمة ولكن يخطئان التوجه فليس هي الدولة الدكتاتورية أو الحاكم ذو السطوة هو القادر على لجم الإنسان الغرائزي ولكنه القلب، نعم القلب السليم الأجرد المتصالح والمسلح بثقافة التوحيد التي تعطي كل شيء حقة وميزانه لأنه ببساطة صنع من خلق البشر فنرجع هنا أيضا لنفس النقطة والقضية وهي مشكلة الإيمان والكفر، ولو كنا نعلم أن كل صعوبة وصبر وارتقاء للآدمي عن شهوة كبتها أو صام عن طعام أو عن مال حرام أو ضحى فيها وتجلى مفهوم الإيثار سنصل للذة المنشودة والتي تتحول لسعادة جمّة وراحة نفسية تسمى عندنا الطمأنينة وهو شعور راقٍ يغلب اللذة الجنسية عند من يعبدونها ويقهرها، وكيف لا وبالصيام نقهر شهوة الجنس أم الشهوات، وبالجهاد نترك المال والبنين والنساء ومساكن نرضاها، ونلبي الله أكبر ونؤمن بالثواب العظيم والعطاء الجزيل لقاء تحكيم عقلنا على شهواتنا وغرائزنا في سبيل قضية فكرية معنوية اعتقادية لا يمكن أن تُفهم من غير الرسل والدين والإيمان بالله الواحد الأحد الصمد الذي لم يكن له كفواً أحد. -والنظريات الحديثة جاءت بجهود مبعثرة غير واضحة ونظريات مضمونها مكرر، وأخذوا مهارات من التحليلية التي كفروا بها مثل الاختبارات الإسقاطية وأساليب التنفيس الانفعالي […]